نضال الشوفي – 26\10\2008
سوسيتا اسم ذو أصول آرمية، ُأطلق تشبيهاً لها بعنق الحصان، وهو ما يظهر عند النظر إليها من مكان مرتفع.أما الاسم اليوناني فكان هيبوس، ويطلق العرب عليها اسم قلعة الحصن.
استوطن المكان منذ ما يقارب 2500 سنة، وتطورت إلى مدينة في العصرين اليوناني والروماني. وهي تتخذ موقعها على أطراف هضبة الجولان الجنوبية الغربية، تطل على بحيرة طبريا عن بعد 2 كم، وتعلو عن سطح البحر 350 م.
ُشيد للمدينة ميناء صغير على شواطئ البحيرة لغرض الصيد والتنقل من وإلى المستوطنات الواقعة على محيط البحيرة في ذلك الوقت، وقد شيد الميناء إبان انضمام المدينة ل (الديكابولوس) وهو اتحاد المدن العشرة ذات الطابع الثقافي اليوناني، المعطاة حكماً ذاتياً في العصر الروماني أيضا، وتتبعها بعض القرى والمستوطنات الصغيرة والمزارع.
العصر اليوناني (الهيلينستي)
هنالك ما يبرر الاعتقاد أن المدينة كانت مسكونة فبل قدوم اليونان، لكنها تطورت بعد قيام الدولة السلوقية في المنطقة إلى مدينة صغيرة، وذلك حوالي العام 200 ق. م تقريباً، لتصبح مدينة مواجهة على تخوم الصراع السلوقي المتمركز في سوريا، والبطلمي المتمركز في مصر، مما يبرر قيام السلوقيون بتطويرها وتشييد الأبنية الجديدة فيها، لتصبح حصن متقدم على تخوم دولتهم قبل تمكنهم من دحر البطالمة عن فلسطين، وهو ما يأخذ دلالاته من الاسم اليوناني (أنطيوخيا هيبوس)، أي مقاطعة هيبوس. ومع استقرار نفوذ السلوقيين على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، بعد المعركة الفاصلة مع العدو البطلمي قرب بانياس في العام 196 ق. م، تطور وضع المدينة لتصبح مدينة رسمية (بولس) تسيطر على المناطق القريبة منها. وأضيف لأبنيتها معبداً وسوقاً وأبنية رسمية أخرى. لكن تطور المدينة العام كان مرهون بإمكانية توفير المياه، التي جرت العادة على جمعها من هطولات المطر في آبار حفرت هنا وهناك.
في العام63 ق.م اجتاح جيش القائد الروماني (بومبيوس)، المناطق الواقعة على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط ، مزيحاً بذلك السيطرة اليونان إلى الأبد، ومعلنا مرحلة جديدة نعمت فيه سوسيتا بحكم ذاتي من جديد، بانضمامها للمدن العشرة (الديكابوليس).
وفي العام 37 ق.م سُلمت المدينة للحاكم المحلي لفلسطين هوردوس ، (بحسب المؤرخ يوسيفيوس فيليبوس)، فكانت في هذه الفترة على صراع دائم مع مدينة طبريا، التي ُشيدت أيضاً أيام اليونان، وكان يسكنها الكثير من اليهود. ما جعل أهالي سوسيتا يقومون إبان التمرد الكبير بذبح وطرد اليهود الساكنين بينهم بعد اشتراك هؤلاء بالهجوم على مدينة المجدل.
على أثر هزيمة اليهود ، اثناء تمرد باركوخفا، في العام 135 م، تمتعت المدينة بتطور مميز، بعد أن تم تصميمها من جديد على الطريقة الرومانية، بشكل شطرنجي تتوازى فيه الشوارع مع بعضها، شرقا وغرباً، وشمالاً وجنوباً. كان الشارع الرئيسي (الدوكومونوس) يتوسط المدينة ممتداً من الشرق إلى الغرب، ومزيناً على طول جانبيه بأعمدة كرانيتية حمراء استوردت من مصر، مما يدلل على مستوى الرخاء الذي تحقق في تلك الفترة. أما الشارع الرئيسي الآخر فيمتد باتجاهي الشمال والجنوب ويدعى (الكوردو)، وتوازي باقي الشوارع في المدينة هذان الشارعان، وتتقاطع مع بعضها، مما يخلق شكلا شطرنجيا. من المنشآت الجديدة أيضاً، معبد ومسرح، بالإضافة للسور الذي أحاط بالمدينة. لكن الأبرز بين المشاريع الجديدة كان بركة الماء المنشأة كحل بديل عن تجميع مياه الأمطار في آبار صغيرة خلال فصل الشتاء، وقد تم جر المياه إلى البركة عن بعد 25 كم من منطقة العال.
العصر البيزنطي
في الحقبة البيزنطية أصبح الجليل والجولان ضمن مقاطعة فلسطين، ومع انتشار الديانة المسيحية أقيمت الكثير من الكنائس، وازدادت الهجرة إلى المنطقة، فشهدت المدينة بالتالي تطوراً جديداً وملحوظاً. إن العثور على قبر شخص يدعى هرمس، دفن حوالي العام 300 م بالقرب من أحد الأسوار، كان شاهد يتيم على حركة التنصر حتى ذاك الزمن، مع أنه من المعروف أن السيد المسيح كان قد زار المدينة أثناء تجواله في المنطقة، واجترح فيها معجزة إطعام خمسة آلاف شخص، لكن وجود هذا القبر يظل مؤشر على ازدهار هذه الديانة مع بداية الحكم البيزنطي لسوسيتا.
في العام 359م أصبحت المدينة مركز أسقفية، وهنالك شواهد كتابية على اسم أحد الأساقفة المدعو) شمعون (، وشواهد أخرى على وجود 4 كنائس من تلك الفترة.
ومع الفتح الإسلامي لشمال الجزيرة العربية، ظلت المدينة على نصرانيتها، إذ أن القائد العربي شرحبيل بن حسنة فتحها سلما دون مقاومة، وأعطى على إثر ذلك الأمان لأهلها على أرواحهم وممتلكاتهم وعقائدهم، لكن الكارثة لم تمهلها طويلاً، ففي العام 749 م دمرها زلزال قوي، ولم تُستوطن بعد ذلك مطلقاً. غير أن تضاريس المكان حثت على بناء قلعة الحصن خلال الحملات الصليبية، كبناء دفاعي يقابل قلعة الصبيبة في الشمال من الجولان، من أجل حماية هذان الممران الطبيعيان إلى الداخل السوري، وقد فقدت القلعتان أهميتهما بعد ذلك، لكن قلعة الحصن دمرت عن آخرها تقريباً.
فترة الاحتلال الإسرائيلي
في الأربعينات من القرن الماضي، قام سكان مستوطنة (عين كيف) باحتلال المرصد السوري المقام هناك، وشيد مكانه موقع للجيش الإسرائيلي، ظل يقوم بوظيفته حتى احتلال هضبة الجولان في العام 1967 م. إن استعمال الإسمنت لبناء الموقع الإسرائيلي أدى لتشويه جزء من المكان، أما الشاهد الآخر على التواجد العسكري فيه، فهو الرافعة التي نرى بقاياها حتى الآن في الجهة الشمالية الغربية، والتي نعلم أنها بنيت عام 1948 بإشراف الضابط الإسرائيلي (دافيد لسبوك) من أجل تزويد الجنود المتواجدون هناك بالمؤن من مستوطنة (عين كيف).
في العام 2000 م بدأت بعثة أثرية من جامعة حيفا، بالتنقيب في المكان، بمشاركة بعثتين أجنبيتين: الأولي أمريكية ، والثانية بولندية. لقد تقرر لهذا النشاط الأثري أن يستمر 10 مواسم، حتى العام 2009م، وكشف منذ مواسمه الأولى الكثير من المعطيات عن العصور الكلاسيكية في المنطقة، بما في ذلك تسلسل الحقب التاريخية، والصراعات المحلية، والدولية فيها.
No comments:
Post a Comment
اترك تعليق من فضلك