إعداد: نبيه عويدات. (تموز 2006)
هي مبنى أثري من العصور الوسطى لقلعة كبيرة تم بناؤها وترميمها على مدى سنوات طويلة خلال فترة حكم الأيوبيين والمماليك. تقع القلعة على تل رفيع شديد الانحدار في المنحدرات الغربية لجبل الشيخ، على ثلثي الطريق بين مجدل شمس وبانياس، وعلى ارتفاع يبلغ 816م عن سطح البحر. في موقع استراتيجي يطل على الجولان وسهل الحولة وجنوبي لبنان.
أصل تسمية القلعة
يغلب على القلعة اليوم اسم "قلعة نمرود"، وهو الاسم المتداول بين السكان المحليين، وتروى حوله عدة خرافات، عن حاكم جبار، اسمه نمرود، حكم القلعة واشتد به الغرور، حتى أنه قرر في يوم من الأيام محاربة الله، فأمر جنوده بتوجيه سهامهم إلى السماء وإطلاقها، فكانت تعود مخضبة بالدماء. وتقول الخرافة الشعبية أن الله أرسل له حشرة صغيرة جداً، دخلت أنفه وبدأت تنخره حتى قضت عليه وعلى جبروته وغروره، ليكون عبرة لغيره.
ولكن اسم القلعة في المصادر التاريخية ورد كـ "قلعة الصُبَيْبَة"، وورد تفسيرها في بعض المصادر على أنها كلمة عربية تعني الصخرة العالية شديدة الانحدار، وهي تسمية مطابقة بالفعل لشكل القلعة وموقعها على منحدرات شديدة، ما جعل منها حصناً طبيعياً منيعاً يصعب اقتحامه.
منظر القلعة من الجهة الجنوبية
تاريخ القلعة
اعتقد بعض المؤرخين سابقاً أن القلعة هي حصن صليبي، بناه الصليبيون في العشرينيات من القرن الثاني عشر، عندما كانوا يسيطرون على مدينة بانياس، ولكن الحقيقة التاريخية أن الأيوبيين هم من بنوها أولاً في القرن الثالث عشر (1230م) كحصن منيع لمواجهة غزو الصليبيين بقيادة قيصر ألمانيا وروما فريدريك الثاني فون هوهن شتاوفن. هذا البناء هو الذي شكل لأول مرة الحصن المنيع الذي أعطاها أهميتها التاريخية فيما بعد، والذي بقيت آثاره حتى أيامنا هذه. ولكن ذكر المكان كحصن ورد في مصادر سابقة لهذا التاريخ، ومن الممكن وجود تحصين معيّن، بسيط مقارنة بالقلعة المعروفة لنا حالياً، سبق البناء الذي أقامه الأيوبيون. فقد أشير إليها في بعض المصادر التاريخية على أنها حصن للأتابك الدمشقي، قام ظهير الدين تغطكين عام 1126م بتسليمها إلى الإسماعيليين ليجعلهم على صدام مع الفرنجة ويتقي خطرهم عليه، لكنهم قاموا بتسليمها إلى الصليبيين عام 1129م بعد أن اشتد نزاعهم مع الأتابك الحاكم في دمشق. وقد قام الملك الصليبي بلدوين بمنحها إقطاعة لروبنيه بروس وورثته من بعده، لكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ أن تاج الملوك بوري قد استعادها في العام 1132م بعد أن صار حاكماً على دمشق، ووضع فيها أحد قواده، لكن هذا الأخير قام بتسليمها إلى عماد الدين زنكي صاحب حلب وعدو حكام دمشق اللدود. ولم يستطع هؤلاء استرجاعها إلا عندما قام مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بالاتفاق مع الصليبيين على مهاجمة القلعة، واستردوها بالفعل بعد هجوم مشترك في العام 1139م، وأصبحت من جديد تحت السيطرة الصليبية، بعد أن طردوا حليفهم مجير الدين المذكور، ووضعوا عليها القائد أنفري الثاني دو تورون نائب ملك القدس، فقام هذا بإصلاح التحصينات في القلعة، لكنه في العام 1164م رافق الحملة الصليبية على مصر، فانتهز السلطان نور الدين الفرصة وحاصر القلعة إلى أن سيطر عليها بعد عدة محاولات. وقد عاد الصليبيون في العام 1174م بتطويق القلعة بقيادة الملك أملريك، الذي توفي أثناء الحصار، فظلت القلعة سليمة بأيدي العرب إلى العام 1219م، حيث قام المعظم أمير دمشق بهدم تحصيناتها خوفاً من استيلاء الصليبيين عليها، وجعلها قاعدة لهجماتهم على دمشق، بعد النجاح الذي أصابوه في الحملة الصليبية الخامسة على المنطقة.
القلعة ببنائها القائم اليوم بناها العزيز عثمان حاكم بانياس، بتمويل وتخويل من حاكم دمشق الملك المعظم. وقد ورد ذلك بالتفصيل في كتابات المؤرخ العربي سبط ابن الجوزي (1256 – 6/1185)، الذي يعتبر المرجع الأفضل لتاريخ الأيوبيين. ويذكر ابن الجوزي أنه في مطلع القرن الثالث عشر عقد السلطان الكامل (مصر) اتفاقية مع فريدريك الثاني المذكور أعلاه، وحسب هذه الاتفاقية يتنازل السلطان الكامل عن القدس، مقابل أن يساعده القيصر فريدريك على احتلال دمشق والمناطق التابعة لها، الخاضعة لسلطة أخيه الملك المعظم. وهنا أوعز الملك المعظم (ملك دمشق) إلى أخيه العزيز (حاكم بانياس) ببناء حصن الصبيبة. فبدأ العزيز عثمان عام 1227 ببناء الحصن الذي استمر 3 سنوات، حتى العام 1230، تم في ختامها بناء الحصن المنيع للقلعة بشكلها الذي نراها عليه اليوم، حيث أخذت القلعة شكل التل الذي بنيت عليه، مستفيدة من الانحدارات الشديدة له، التي غدت جزءًا مهماً من التحصينات.
في عام 1260 قضى المغول على حكم الأيوبيين، واحتلوا القلعة وعاثوا فيها خراباً بعد أن سيطروا على بانياس والمنطقة بأسرها. لكن احتلالهم لم يستمر طويلاً، وسيطرتهم على القلعة لم تدم سوى بضعة أشهر، حيث هزم المغول في معركة عين جالوت الشهيرة.
بعد طرد المغول رمم الظاهر بيبرس القلعة وجعل منها قصراً فاخراً حصيناً يسكنه حاكم المنطقة (بانياس)، ولا تزال هناك كتابات تشير إلى ذلك، محفورة على حجارة موجودة في المكان إلى يومنا هذا.
بعد طرد الصليبيين نهائياً من المنطقة في القرن الثالث عشر، فقدت القلعة أهميتها الاستراتيجية، ولكنها حافظت على أهميتها السياسية داخل دولة المماليك، فحولها هؤلاء اعتباراً من القرن الخامس عشر إلى سجن (قصر) للحكام الذين تمردوا على حكمهم.
مع بداية السيطرة العثمانية على المنطقة فقدت القلعة كل أهمية استراتيجية وسياسية لها، فأهملت على مدى مئات السنين، وتحولت إلى مأوى للرعيان والمشردين.
أما اليوم فإن القلعة معلنة كموقع أثري منظم، تحت إشراف مديرية الآثار الإسرائيلية.
منظر القلعة من الجهة الشرقية
مبنى القلعة
مبنى القلعة يأخذ شكل التل المبنية عليه، لذا فهي متطاولة قلية العرض. يبلغ طولها حوالي 420 متراً، وعرضها يتراوح بين 60-150 متراً. القلعة محاطة بالكامل بسور من الحجارة تصل سماكته إلى 4 أمتار، بنيت عليه أبراج حماية، يتناسب عددها من كل جهة مع الحاجة إليها نسبة لشدة الانحدار في المكان. فنرى في الجهة الشمالية برجاً واحداً، وذلك لأن السور في هذه الجهة مبني على مكان شديد الانحدار، يشكل مانعاً طبيعياً يصعب تسلقه، بينما في الجهة الجنوبية توجد 4 أبراج كبيرة لحماية مدخل القلعة.
في الجهة الشرقية برج كبير، وهو عبارة عن قلعة داخل قلعة (أطلق عليه الفرنسيون اسم <<البرج القوي>> - بالفرنسية دنجون)، بني ليكون الملاذ الأخير في حال اختراق السور الخارجي، وموقع الدفاع الأخير. هذا الجزء من القلعة مرتفع عن باقي أجزائها، ويشكل مرصداً يطل على كل القلعة وأبراجها ومداخلها. وتدل الآثار على أن هذا الجزء من الحصن كان بمثابة قصر يحتوي قاعات فاخرة وخزانات وبرك مياه، والكثير من الغرف، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن حاكم القلعة كان يعيش فيه. الدخول إلى هذا الجزء يتم عبر ثلاثة أبواب كبيرة من الجهة الشمالية الغربية، وتحميه أربعة أبراج داخلية موزعة على جهاته الأربع.
يقسم مبنى القلعة إلى قسمين:
القسم العلوي ويشمل البرج الشمالي المحصن (البرج القوي) المذكور أعلاه ومدخله الصغير، ولكنه محمي جيداً من السور الجنوبي للقلعة.
القسم السفلي الذي يشمل برك وخزانات المياه والاسطبلات، وله مدخلان: واحد في السور الجنوبي، والآخر في السور الغربي.
No comments:
Post a Comment
اترك تعليق من فضلك